كتاب Rich Dad Poor Dad
روبرت كايوساكي – نشره في عام 2000
عبر حوار ذاتي، يحكي الكاتب قصة طفولته، الموزعة بين نصائح أبيه الأستاذ الجامعي – والذي يُرمز له في الكتاب بلقب الأب الفقير (وليس في الأمر مسبة)، وبين نصائح والد صديقه مايك، رجل الأعمال العصامي والذي يرمز له في الكتاب بلقب الأب الغني.
يسرد الكتاب طفولة الكاتب وهو يتعلم كيف يحصل على المال ويكتسبه، مع مقارنة دائمة ما بين وضعي والده الأكاديمي الجامعي، وما بين والد صديقه العملي التجاري. ويطرح الكاتب سؤالا ذا أهمية ووجاهة: هل تعد المدارس طلابها للخروج إلى العالم الواقعي والنجاح فيه؟ هل الحفظ والمذاكرة والشهادة والوظيفة المرموقة هي السبيل؟
ما خرج به الكاتب من خلاصة تجاربه في الحياة هو دروس ست، يشرحها لنا كالتالي:
الدرس الأول:
الأغنياء لا يعملون من أجل المال.
(للتذكير: المقصود بالغني هو من إجمالي دخله يزيد عن إجمالي نفقاته)
يحرص الآباء الفقراء - وفق نظرة الكاتب - على حسن تعليم الأبناء، ليتخرجوا وينخرطوا في السلم الوظيفي ويرتقوه، طمعا في أن يحصلوا على رواتب مجزية، توفر لهم حياة الرفاهية. هؤلاء الأبناء سيدخلون في سباق محموم (متاهة الفأر – كما يسميها الكاتب)، لكي تكافئ مداخليهم نفقاتهم الآخذة في الازدياد، فالوظيفة تستدعي منزلا فاخرا، وسيارة كبيرة، وزوجة جميلة، وأبناء في مدارس مرموقة، وبطاقات اعتماد سرعان ما يعجزون عن سدادها فتبدأ فوائداها الربوية في إنقاص ما تبقى من دخلهم المحدود، كل هذا يجلب مصاريف صيانة وضرائب ورسوم ونفقات وغيرها. هؤلاء الأبناء سيعيشون ظانين أن انتقالهم لوظيفة ذات مدخول أكبر ستحل مشاكلهم، وهنا حيث يخطئون بشدة.
أكبر مخاطرة ترتكبها في حياتك، هو أن تبحث عن الخيارات الآمنة، وتبتعد عن المخاطرة. إن عدم أخذك للمخاطرات هو مخاطرة في حد ذاته، فأنت تفوت على نفسك فرصا عظيمة، وتمضي في طريق تظنه أن نهايته آمنة، وهذا الظن هو مكمن الخطر، فلعلك أن تكتشف فيما بعد أنه ليس آمنا كما كنت تظنه، لكن بعد فوات سنوات ثمينة لا يمكن استعادتها من عمرك المحدود. لقد تغير الزمن الذي كنا نعيش فيه، وتحولنا من الإيقاع البطيء إلى الإيقاع السريع – جدا.
الفرص الثمينة تأتي وتذهب في حياة كل منا، ولا سبيل لاقتناصها سوى بالتجربة والمخاطرة، هكذا يفعل الأغنياء. الأغنياء يخاطرون، ويخسرون ويكسبون، وهذه سبيل من يريد أن ينضم لهم، وبعد فترة يتعلمون كيف يفرقون بين الفرصة الحقيقية وغيرها.
لا تعمل من أجل المال وجمعه، بل اجعل المال يعمل من أجلك.
الخوف من المغامرة، والجهل بقواعد آليات عمل المال، هما العدوان الأوليان لك. اقض عليهما، بالشجاعة، والمغامرة، والعلم.
الدرس الثاني:
إذا كنت تنوي أن تكون ثريا، فتعلم بعض القواعد المالية.
إذا أردت بناء ناطحة سحاب، فأول ما ستفعله هو أن تحفر في الأرض لتضع أساسات عميقة تحملها. إذا أردت بناء كوخ خشبي، فستكتفي بتسوية الأرض ودكها ثم تبني عليها. أغلب من يحاولون الاغتناء اليوم يكتفون بتسوية الأرض ودكها – دون حفر أية أساسات عميقة – لبناء ناطحة السحاب عليها. هذه الأساسات هي الثقافة المالية.
القاعدة المالية الأولى والوحيدة: تعلم الفرق ما بين الأصول والخصوم. على بساطة ما تبدو عليه هذه القاعدة، لكن عموم الناس يجهلونها، ولهذا يعانون ماليا ويسقطون فريسة الديون والإفلاس والفقر.
ما هي الأصول – وما هي الخصوم؟
ما يميز الأصول عن الخصوم هو الأرقام، وإذا كنت لا تستطيع قراءة الأرقام، فلن تفرق ما بين الأصول وما بين الحفرة الكبيرة أمامك على الطريق. في عِلم المحاسبة، إذا لم تفهم ما الذي تقوله لك الأرقام، فأنت كمن يردد الكلمات – دون أن يفهم معناها.
إذا أردت أن تكون غنيا، عليك أن تفهم ما تقوله وتعنيه الأرقام. الأرقام هي ما يفرق ما بين الأصول والخصوم. القاعدة التالية لن يقبلها جهابذة المحاسبين والاقتصاديين، وهي تقول:
الأصول هي الأشياء التي تضع المال في جيبك.
الخصوم هي الأشياء التي تخرج المال من جيبك.
على بداهته، يسبب الجهل بهذا الفرق المعاناة المالية لكثير من الناس.
إذا أردت أن تكون غنيا، فاحرص على قضاء حياتك في شراء الأصول. إن لم تفعل، فأنت ستكون من الطبقة المتوسطة والفقيرة.
تعاني طبقة الموظفين بشدة في حياتها اليومية، ليس لأنها لا تحصل على المال، بل لأنها تنفق ما تحصل عليه من مال في شراء الخصوم.
دعنا نقارن، وفق هذا المفهوم، ما بين الفقير والغني
الفقير:
الوظيفة، تدر الدخل، تذهب في نفقات مثل المأكل والمشرب والملبس والإيجار والمواصلات والضرائب.
الأصول: لا شيء
الخصوم: لا شيء
فرد الطبقة المتوسطة:
الوظيفة، تدر الدخل، تذهب في نفقات مثل المأكل والمشرب والملبس والإيجار والمواصلات والضرائب.
الأصول: لا شيء
الخصوم: بطاقات الائتمان، القروض، الأقساط
الغني:
الأصول: أسهم في البورصة، عقارات، ملكية فكرية
الدخل: توزيعات أرباح، إيجارات، حقوق استغلال الملكية الفكرية
الخصوم: لا شيء
على بساطتها، تخبر هذه الأمثلة عن الكثير. إن طريقة تصرفك في دخلك هي ما تحدد لأي طبقة ستنتمي.
هذه الأمثلة توضح لماذا يعود الفقراء الذين تسقط عليهم الثروات بشكل مفاجئ إلى كونهم فقراء مرة أخرى بعد هذه النفحات.
هذه الأمثلة تجيب على تساؤل الموظف الذي زاد راتبه، لكنه لا يزال يعاني من قلة المال المتبقي له.
الحصول على المزيد من المال – الدخل – المرتب لن يحل المشكلة أبدا، بل يعجل بظهور أعراضها.
إذا وجدت نفسك في حفرة – توقف عن الحفر!
كيف نقيس الغنى والثراء؟ وفقا للنابغة (أو الفاشل – كما تود تسميته) بكمنستر فولر، فالثراء هو الإجابة على السؤال التالي: كم يوما تستطيع أن تبقى حيا إذا توقفت عن العمل اليوم؟
الثراء هو مقدار العوائد التي تحققها لك الأصول، مقارنة بخانة النفقات والمصاريف.
كلما وجهت المال إلى شراء الأصول، كلما زادت عوائدها، وكلما زاد التدفق المالي. كلما كان التدفق المالي أكبر من نزيف النفقات والمصاريف، فستزداد ثراء وغنى.
تذكر هذه القاعدة البسيطة، الأغنياء يشترون الأصول، والفقراء ليس لديهم إلا النفقات والمصاريف، بينما الطبقة المتوسطة تشتري الخصوم وهي تظنها أصول.
الأغنياء يحرصون على شراء الأصول المدرة للأرباح. الفقراء والطبقة المتوسطة يشترون الخصوم ظنا منهم أنها أصول.
الدرس الثالث: اهتم بأعمالك Mind your own Business
حافظ على وظيفتك اليومية، لكن ابدأ في الاهتمام بشئونك وأعمالك الخاصة.
في عام 1974، وافق راي كروك Ray Kroc – صاحب ومدير سلسلة مطاعم ماكدونالدز – على الالتقاء بطلاب جامعة تكساس وإلقاء محاضرة عليهم. بعدها، سألهم راي سؤالا: في أي مجال عمل تظنون أني أعمل فيه؟ بعد تردد وضحكات أتبعها صمت، أجاب أحدهم بالقول: راي – إنك تعمل في مجال إعداد الوجبات السريعة. جاء رد راي بالتعجب: أهذا ما تظنون أني أعمله؟ أيها السادة، إني أعمل في مجال العقارات.
إن سلسلة ماكدونالدز هي أكبر جهة في العالم تملك عقارات ومحلات. إن أي منطقة يفتتح فيها مطعم من مطاعم ماكدونالدز ترتفع أسعارها تلقائيا، بسبب هذا المحل الجديد، لكن راي يعلم جيدا أنه لكي تنجح مطاعمه، عليه أن يحسن اختيار العقار الذي سيضع فيه مطعمه.
يبيع راي حقوق استغلال اسم ماكدونالدز، وفق نظام التعهيد – فرانشيز، حيث يدفع أحدهم مقابلا ماديا، ليحصل على اسم ماكدونالدز، وعلى التدريب وعلى الآلات التي تجعله يعد الطعام الشهي الذي تقدمه بقية مطاعم ماكدونالدز. إن العوائد تأتي في الأساس من نظام التعهيد، لا من بيع السندويتشات.
هناك فرق كبير بين وظيفتك، وبين عملك، فكثيرا ما سأل روبرت أناسا عن عملهم، فتارة يرد عليه أحدهم بالقول إني رجل مصرفي، فيسأله روبرت هل تملك البنك؟ فيجيب عليه هذا: لا، بل أنا أعمل فيه.
باع روبرت ماكينات زيروكس لتصوير ونسخ الأوراق، وهو تعلم من هذه الوظيفة التغلب على خجله من مواجهة الناس، واجتهد في زيادة مبيعاته لزيادة دخله الذي استثمره في مجال العقارات، وبعد ثلاث سنوات، حين زادت عوائد العقارات على عوائد وظيفته النهارية، ترك روبرت وظيفته المرموقة لدى زيروكس ليركز على شأنه وعمله الخاص: الاستثمار في العقارات.
لا تنفق مرتبك بأكمله، بل احرص على شراء مختلف أنواع الأصول، مثل:
1- الأعمال التي لا تتطلب وجودنا فيها بأنفسنا، إذ أن إدارتنا لها بأنفسنا تجعل منها وظيفة لا مجال عمل.
2- أسهم البورصة
3- المحافظ الاستثمارية
4- العقارات المدرة للمال
5- حقوق استغلال الملكية الفكرية (مؤلفات، اختراعات،..)
6- أي شيء له قيمة، تزداد بمرور الزمن، وله سوق يطلبه (معادن نفيسة،..)
كما يؤكد روبرت على ضرورة جمع الأصول التي تحبها، فهو يحب العقارات ويتحمل مشاكلها، كما يحب شراء أسهم الشركات البادئة والصغيرة، بل إنه كثيرا ما أسس شركات وطرحها في البورصة ثم باعها.
الدرس الرابع: تاريخ الضرائب وقوة المؤسسات
يرى روبرت أن البطل الخيالي روبين هود – الذي اشتهر بالسرقة من الأغنياء من أجل الفقراء – ما هو إلا محتال كبير، فالسرقة تبقى سرقة، بغض النظر عن السبب. رغم أن روبين هود رحل منذ زمن طويل، لكن أتباعه يعيشون بيننا، هؤلاء الأتباع دائما ما يرددون: لماذا لا يدفع الأغنياء هذه التكاليف؟ أو يجب أن يدفع الأغنياء المزيد من الضرائب لتذهب إلى الفقراء. سبب رأي روبرت هذا هو أن الأغنياء من الحنكة بحيث إنهم لا يدفعون الضرائب أبدا، بل من يدفعها هم منتسبو الطبقة المتوسطة.
لشرح ذلك، دعونا نعرض تاريخ الضرائب في العصر الحديث، فرغم أن أوروبا وأمريكا كانتا لا تفرضان الضرائب على مواطنيها، لكن كل منها اضطرت لذلك في أوقات الحروب، مثلما حدث في مصر مع قطز والعز بن عبد السلام من أجل تمويل مقاومة هجوم المغول والتتار.
كانت الضرائب في بدايتها مفروضة على الأغنياء فقط، مثلما في إنجلترا عام 1874 مع ضريبة الدخل، وفي أمريكا عام 1913، رغم أن ثورة الأمريكان على ضريبة الشاي الإنجليزية هي التي حررتهم من المستعمر الإنجليزي، لكنهم تنكروا لمبادئهم التحررية وفرضوا الضرائب، على الأغنياء فقط في البداية.
ما أن ذاقت الحكومات المال المجاني، حتى انطلقت تفرض المزيد من الضرائب، على الطبقة المتوسطة ومن بعدها الفقيرة. ما يعيب الحكوميين، عند مقارنتهم برجال الأعمال، أن الأول ينفق ميزانيته كلها ويحرص على ذلك، فإن لم ينفق كل المال المخصص له، فسيخسره في ميزانية العام المقبل. رجل الأعمال ينفق بحرص ويجتهد حتى يوفر المال وتزيد أرباحه، على عكس رجل الحكومة.
فكرة فرض الضرائب على الأغنياء تضفي عليها رونقا وتقربها من القلب والعقل، وتجعل الجماهير تتقبلها، لأن من بينهم أتباع روبين هود. ما يجهله هؤلاء، هو أن الأغنياء خبراء في لعبة المال، وهم تمكنوا – عبر مهارتهم – في تمرير عبء الضرائب إلى الطبقة المتوسطة والفقراء. إن حل الأغنياء تمثل في صورة الشركات والمؤسسات.
إن السفر إلى الخارج يحمل اسم رحلة عمل، وهي معفية من الضرائب وتدخل في بند المصاريف التشغيلية. السيارة الفارهة تحمل ملكية الشركة وتدخل تحت بند المصاريف. الوجبات الفاخرة تحمل اسم ولائم الأعمال، وهكذا. رأس مال الشركة يحمل اسم الأسهم، وهي بدورها معفاة أو تعامل معاملة ضريبية أقل وطأة.
في ذات الوقت، يدفع الموظف ضريبة الدخل، والتأمينات الاجتماعية والصحية والمعاشات وغيرها. كما يدفع الفقير الرسوم الجمركية وضرائب المبيعات والقيمة المضافة. الغني يدفعها من حساب شركته الخاصة، غيره يدفعها قبل أن يدخل راتبه إلى حسابه.
لقد تغلب الأغنياء على الفقراء، وعلى دعاة فرض الضرائب على الأغنياء، ببساطة لأنهم يفهمون قواعد لعبة المال.
قد يسأل سائل، وما علاقة الحديث عن الضرائب ببعض بلادنا العربية التي لا تفرض الضرائب؟ استنادا على ما قاله روبرت، من أن الحكومات اعتادت على إنفاق الأموال، وفي الدول الخليجية التي تعيش فورات النفط، فهذه ستعاني كثيرا حين تعود أسعار النفط للانخفاض كما هي عادة كل شيء في هذه الدنيا، ساعتها لن تجد هذه الحكومات سوى فرض الضرائب على الوافدين أولا ثم المواطنين لزيادة مدخولها – ساعتها، سيكون من المجدي تذكر هذه الكلمات.
الدرس الخامس: الأغنياء هم من اخترع المال
كثيرا ما سأل روبرت مرتادي محاضراته، كم منكم يستطيع أن يطهو لي ساندويتش أفضل من ذاك الذي تجده في محلات ماكدونالدز أو برجر كينج، فيجيبه حفنة من الشجعان بأنهم قادرون على ذلك، فيسألهم مرة أخرى، لماذا لا أرى أسمائكم على محلات منافسة له؟ فلا يجد ردا.
إن الشك الذاتي في أنفسنا ومن داخلنا هو ما يوقف الكثيرون منا عن الانطلاق في طريق نجاحنا الشخصي.
حين اخترع الشاب ألكسندر جراهام بل أعجوبته الناقلة للصوت، وبعدما حصل على براءة اختراعه، بحث عن شركة تمول نشر مشروعه الجديد العجيب. ذهب جراهام إلى أكبر شركة في عصره، شركة ويسترن يونيون لتحويل النقود، وعرض عليها بيع جميع حقوق اختراع التليفون مقابل 100 ألف دولار. رفضت الشركة بسخرية لاذعة، فرجع جراهام وقرر أن ينشئ شركته AT&T التي تقدر أصولها اليوم بعدة مليارات دولار.
لدى كل واحد منا، بلا استثناء، قدرات عظيمة، كامنة تنتظر أن نسمح لها بالخروج، لولا الشك الذاتي الداخلي، ونقص الثقة بالنفس (الثقة لا تعني الغرور). في العالم الواقعي الذي نعيش فيه، ليس الأذكياء من ينجحون، بل الشجعان. النجاح مصير من لديه الشجاعة، والمعرفة المالية.
الشجاعة تأتي من اقتحام المخاطرة، والإقدام على المغامرة.
ما آخر مغامرة أقدمت عليها؟ وكم من الزمن مر عليها. إذا احتجت للتفكير في رد لهذين السؤالين، فأنت تعرف سبب تأخر نجاحك، أو تراجعك في مشوار النجاح.
منذ 300 سنة، كان امتلاك الأرض سببا للثراء. تحولت بعدها لتصبح المصانع وخطوط الإنتاج خلال الثروة الصناعية، والآن، تحولت لتصبح المعلومات. من يملك المعلومات المناسبة في الوقت المناسب سيملك الثروة. مشكلة هذا التحول أن المعلومات لا يمكن حبسها داخل حدود، وهي تنتقل بسرعة الضوء خلال زمن لا يذكر، ولذا سيصبح معدل التغير سريعا للغاية.
أمامك خياران: الابتهاج بحدوث التغيرات في المستقبل، أو العيش في رعب من نتائجها، لكن في كلا الحالتين، التغيير آت لا محالة، وفي زماننا الحالي، ستأتي هذه التغيرات بأسرع مما كنا نتوقع.
إن من سيقاوم التغير – ويرفض أن يتغير – سيتذيل السباق والحياة.
(نعم، اتفق معك، ما علاقة عنوان الدرس بما بعده، على أن روبرت هو من يملك الإجابة!)
الدرس السادس: اعمل وتوظف كي تتعلم، لا تعمل من أجل المال
(أعتذر أن كان ملخصي للدرس الأول قريب الشبه بهذا الدرس، ذلك أنهما متقاربان جدا، ولما كنت قد انتهيت للتو من قراءة الكتاب، تتداخل السببان في ذهني!)
يذكر روبرت مقابلته في مدينة سنغافورة مع صحفية تحمل شهادة في تخصص الكتابة الصحفية، وبعدما سألت أسئلتها وحصلت على موضوعها، اختتمت كلامها مع روبرت بالقول: أريد يوما أن أكون كاتبة مليونية ناجحة مثلك. أجابها ريتشارد بأن أسلوبها رائع، فما الذي يحول بينها وبين تحقيق هذا الحلم. ردت عليه قائلة أن كتبها لا تتحرك من أماكنها، فهل لديه مقترحات؟
رد روبرت بالإيجاب، ونصحها بأن تأخذ دورة تدريبية في المبيعات، و هم بأن يعطيها اسم صديق له في سنغافورة يدّرس مثل هذه الدورات. اعتبرت الصحفية أن في النصيحة إهانة، فهي كاتبة لامعة حاصلة على درجة جامعية، لا بائعة كتب. كانت نظرتها إلى رجال المبيعات أنهم محتالون يسعون وراء نقود الغير، ولذا احتقرت كل ما له علاقة بالبيع.
يحزن روبرت حين يرى الكثير من النابغين يعانون في الحياة، لأنهم لا يجيدون – أو لا يريدون تعلم– قواعد المعرفة المالية: من محاسبة واستثمار وتسويق وقانون.
يرى روبرت أن هذه الصحفية كان الأحرى بها حضور دورات في المبيعات والتسويق، والعمل لدى وكالة إعلانات، لتتعلم صياغة العناوين الجذابة التي تبيع، ثم تجلس في أوقات العطلات والفراغ لتؤلف كتابها وتطبق كل ما تعلمته عليه، ومن ثم تحقق حلمها بالنجاح.
حين وضع روبرت كتابه الأول، جعل له عنوانا: إذا أردت أن تكون غنيا وسعيدا – لا تذهب إلى المدرسة. أراد الناشر تغيير اسم الكتاب إلى شيء تقليدي مثل اقتصاديات التعليم، لكن لحسن الحظ أصر روبرت على عنوانه، الذي جعل كتابه يبيع، وتناوله الناس تارة بالنقد بسبب العنوان العجيب، لكن الكتاب استمر في البيع.
حين تخرج روبرت من جامعته، حصل على عمل فوق ناقلة بحرية، وفرت له العمل لمدة سبعة شهور في السنة، مع إجازة قدرها خمسة شهور. بعد ستة شهور استقال روبرت والتحق بالقوات الجوية وذهب إلى فيتنام. بعدها انتقل للعمل لدى زيروكس، وحين لمع نجمه في المبيعات مع زيروكس، استقال منها وبدأ شركته الخاصة.
هذه التنقلات لم تنل رضا والد روبرت، لكنه في حقيقة الأمر التحق بالجيش الأمريكي ليتعرف عن قرب عن دول جنوب آسيا، حيث قبعت النمور الاقتصادية، مثل هونج كونج وسنغافورة وتايلاند والصين. حين التحق بشركة زيروكس، كان هدف روبرت التغلب على عادة الخجل لديه، والخوف من الرفض. حين أصبح روبرت متمرسا في المبيعات، لا يهاب الرفض، استقال وبدأ عمله التجاري. حين كان أصدقاؤه يلهون، كان هو يدرس خطوط التجارة مع دول جنوب شرق آسيا، ويتعرف على اقتصاد كل بلد منهم، وكيف يمكن له الاستفادة من ذلك.
حين استقال من زيروكس، كانت أول شحنة من المحافظ النيلون ذات الشريط فلكرو اللاصق تغادر كوريا الجنوبية متجهة إلى مخازن روبرت في نيويورك.
يرى والد مايك، الأب الغني، أنه من الأفضل للواحد منا أن يبدأ مشروعه ويفلس قبل أن يتعدى الثلاثين من عمره، حيث يمكن التعافي من الإفلاس بسرعة في هذا السن.
هناك مقولة تزعم أن كلمة وظيفة Job في اللغة الإنجليزية إنما هي اختصار لجملة Just Over Broke أو بالكاد فوق حافة الإفلاس. ما يزيد من سوء الأمور أن الجميع يظن أن الوظيفة هي الملاذ الآمن، ولذا تجدهم حتى ينصحون بالبقاء في وظيفة واحدة لأطول وقت، للدلالة على كونك موظف خبير. أنت في الحقيقة تثبت أنك عبدُ مطيع.
كان فيما مضى الثبات على وظيفة واحدة شيئا إيجابيا، لكن اليوم أصبح التنقل ما بين الوظائف المتعددة أفضل، فالخبرة المكتسبة تساعد على اتخاذ القرار المناسب في المواقف الصعبة، تلك المواقف التي تستلزم الإلمام بالصورة العامة من كل الجوانب بشكل شامل. ينصحنا روبرت بالتنقل ما بين مختلف الوظائف، فهذا يفيد حين تبدأ شركتك، إذ تكون على علم بجميع الجوانب اللازمة لنجاح هذه الشركة.
يجب عليك أن تعرف القليل عن كل شيء، كما يجب عليك أن تتقن فن البيع والتسويق، إذا لم تفعل، فلا تسأل عن سبب قلة دخلك وتأخرك عن النجاح في حياتك.
لا زلنا مع روبرت كايوساكي في كتابه أبي الغني أبي الفقير حيث يرى أن هناك أسباب خمسة تعوق النجاح، وهو يقول:
قد تتحلى بالشجاعة، وتتعلم قواعد المعرفة المالية، لكنك رغم ذلك تبقى متأخرا عن النجاح، سبب ذلك خمسة أسباب تعوق الناس عن الانطلاق على درب النجاح، وهذه الأسباب هي:
1 – الخوف
2 – التشاؤم
3- الكسل
4- العادات السيئة
5 – الغرور
السبب الأول: الخوف من خسارة المال.
لن تجد عاقلا يحب خسارة المال، هذا أمر طبيعي وفطري، خاصة مع الأغنياء. لكن طوال حياة روبرت التي قضاها في التدريب، فإنه لم يقابل غنيا لم يخسر مالا في حياته. لكن روبرت قابل الكثيرين من الفقراء الذين لم يخسروا فلسا واحدا – في الاستثمار.
الكل يخشى على ماله، لكن الخوف ليس المشكلة، المشكلة هي كيف تتعامل مع هذا الخوف، ومع الخسارة، ومع الفشل. الفرق الجوهري بين الغني وبين الفقير هو في كيفية التعامل مع هذه الخوف.
لا بأس من الشعور بالخوف، فكلنا نجبن من أشياء، ونتشجع لغيرها. الخوف يربطك بالأرض، لكن لكي تحلق مع النسور، عليك أن تترك الأرض، عليك أن تغامر. من يخشى الفشل بدرجة مرضية مبالغ فيها، سيفشل.
من واقع خبرة روبرت في الحياة والتدريب، فهو لاحظ أن النجاح يأتي عادة بعد الفشل والخسارة، بل إن الفوز هو ألا تخشى الفشل. ولذا تجد كثيرا من الناس محرومين من النجاح لخوفهم من الخسارة، عملا بالمثل الأمريكي في ولاية تكساس: الكل يريد الذهاب إلى الجنة، لكن الكل لا يريد أن يموت.
حين قرر الجنود الأمريكيون في حصن ألامو بولاية تكساس، أنهم لن يستسلموا وأنهم سيقاتلون حتى الموت، كان لهم ذلك، وماتوا جميعا لقلة عددهم وكثرة عدوهم. هذه الحادثة تلخص الكثير من طريقة تفكير أهل ولاية تكساس، فهم حين يغامرون، يغامرون بكل قوة وفي أشياء كبيرة، وحين يخسرون، فإنهم لا يدفنون خسارتهم، بل يتعلمون أسباب حدوثها ويتلافونها. رغم الهزيمة المنكرة لجنود ألامو، عاد الأحفاد وجعلوا من هذا الحصن مزارا سياحيا يحكي قصة الهزيمة، ويدر ملايين الدولارات.
إن الهزائم تنال من معنويات الفاشلين، وتدفعهم إلى عدم المحاولة مرة أخرى، على عكس الناجحين، الذين يحولون كل هزيمة وفشل إلى شيء إيجابي.
لا تدخل معترك الحياة خائفا من الفشل، ادخل معترك الحياة لكي تفوز.
لكن إذا كنت – بطبيعتك – تحب التعقل والتروي وعدم المغامرة، لا بأس بذلك، توجه إلى الاستثمارات الآمنة، لكن ابدأ مبكرا وأسرِعِ الخطى لتلحق بالقطار.
التغلب على التشاؤم
لا زلنا مع روبرت كايوساكي في كتابه أبي الغني أبي الفقير حيث يرى أن هناك أسباب خمسة تعوق النجاح، ونتناول هنا العائق الثاني: التشاؤم الذاتي
خاصة في عالمنا العربي، وبسبب قرون مضت قضيناها تحت نير الاحتلال، تحول معظمنا إلى متشائمين بالسليقة، لا نرى في الكون سوى نذر المصائب والكوارث.
لكل منا شكوكه في نفسه، ولا نفكر سوى في الجانب المزعج من المعادلة: ماذا لو غزوا بلدي، أو جارتها، أو نضب البترول، أو انهار سعر العملة، أو هوت البورصة، أو عجزت عن سداد أقساط القروض.
في عام 1992، جاء صاحب روبرت لزيارته في مدينته فينكس، ومتأثرا بالنجاح الذي حققه روبرت وزوجه، ولأن أسعار العقارات والبيوت في فينكس وقتها كانت متدنية، نصح روبرت صاحبه بشراء شقة واسعة من غرفتين واقعة في مجمع سياحي. كانت الشقة معروضة للبيع بمبلغ 42 ألف دولار، في حين سعرها خارج فترة الكساد كان 65 ألف.
بعد عودة الصاحب إلى بلدته، اتصل ليلغي الصفقة. اتصل به روبرت متسائلا عن السبب، فأخبره الصاحب أنه ناقش الصفقة مع جاره فنصحه بأن المبلغ كبير. سأله روبرت، هل الجار خبير استثماري؟ لما جاء الرد بالنفي، أدت محاولات روبرت إلى إصرار الصاحب على الانسحاب.
في عام 1994 استرد السوق عافيته، وبدأت الشقة التي رفضها الصاحب تؤجر بألف دولار في الشهور العادية، وبألفين ونصف في الموسم، ليسترد استثماره خلال عامين ونصف. لليوم، لا يزال صاحب روبرت يدور في الساقية محاولا الخروج من دوامة الجري وراء لقمة العيش.
المتشائمون يشككون، والناجحون يحللون. إن ترك الخوف يسيطر على تفكير يغلق عيونك عن فرص النجاح التي تلمع في سمائك. خذ هذا المثال.
في عام 1996، أخذ صاحب آخر لروبرت يتلو عليه نذر التشاؤم بقرب ارتفاع أسعار البترول، وسرد عليه أسبابا وجيهة وإحصائيات عديدة، واستمر يتوقع قرب نهاية العالم. أما روبرت، بعدما اقتنع بما يقوله صاحبه، أخذ يبحث عن شركة تنقب عن البترول، واشترى 15 ألف سهم فيها بسعر 65 سنت. في بداية 1997 بلغ سهر السهم 3 دولار (ربح أكثر من 5 أضعاف) وهو لا زال إلى زيادة (شكرا بابا بوش!).
بدلا من التفكير في الاستفادة من ظاهرة ارتفاع سعر البترول، أخذ الصاحب يعدد المصائب والويلات، حتى أغلق عقله وبصره عن الجانب الآخر الإيجابي من الخبر والمعلومة والحقيقة.
قرأ معظمكم قصة كولونيل ساندرز مؤسس محلات كنتاكي أو KFC والذي بلغ سن 66 خاسرا كل شيء، لكنه عاد ليحاول من جديد أن يدق على باب النجاح، حيث حاول 1009 مرة لعرض وصفته لطهي الدجاج المقلي على المطاعم، قوبلت جميعها بالرفض، حتى وافق أحد المطاعم بعد 1009 مرة رفض، ومن هناك كانت بدايته مع الملايين.
التغلب على الكسل
لا زلنا مع روبرت كايوساكي في كتابه أبي الغني أبي الفقير حيث يرى أن هناك أسباب خمسة تعوق النجاح، ونتناول هنا العائق الثالث: الكسل
إذا لم تكن منشغلا في وظيفتك اليومية، فأنت منشغلا بمشاهدة تليفزيون أو سماع موسيقى أو لعبة فيديو أو مغازلة أو دردشة، وهذا أكثر أسباب الكسل: الانشغال طوال الوقت.
وما علاج هذا الكسل وفقا لروبرت؟ القليل من الجشع!
من وجهة نظر معظمنا، لكلمة الجشع معان سلبية لا تحصى، تعلمناها من آبائنا وأمهاتنا، ومن المجتمع حولنا. عندما كنا نطلب من آبائنا شيئا، كن نسمع إجابات مثل هل تظنني آلة طبع النقود، أو ألا تفكر في إخوتك؟ على الجانب الآخر، نجد آباء يضحون بكل شيء، حتى لا يشعر أولادهم أنهم ينقصهم شيئا، أو يغرقون في الديون من أجل شراء ألعاب لم تتوفر للآباء في طفولتهم وحُرموا منها.
كان الأب الغني لروبرت يفضل مقولة: أنا لا أملك مقابل شراء هذه، ثم يحول السؤال، كيف يمكنك أنت يا بني أن تجمع ثمنها وتشتريها أنت بنفسك؟ مرد ذلك أن الجزء الأول من الرد يغلق ساحة التفكير أمام العقل، في حين يفتحها على مصراعيها الشق الثاني من الإجابة.
يرى الأب الغني أن مقولة أنا لا أستطيع شراء هذه هي كذبة كبيرة، فكلنا يستطيع، فقط إذا تركنا الكسل وعمدنا إلى التفكير القوي في طرق جمع ما يلزم لشراء ما نريد، بدون النظر إلى عامل الزمن.
يتمثل الكسل في الزعم بأن الأغنياء جشعين والجشع يورد المهالك. لو استثمرت قد أخسر كل شيء وأعود أفقر من ذي قبل. أنا مشغول حتى أذناي في عملي وما يتبقى لي من وقت أقضيه مع العائلة.
منذ الصغر، تعودنا على رفض ما نطلبه نحن - من الآباء والأمهات والمسئولين عنا، بشكل متكرر لا يقبل النقاش – ما أغلق باب التفكير أمام عقولنا، فكبرنا ونحن متعودون على استحالة تحقق ما نتمناه أو نرغبه. بل حتى وأن تحقق لنا ما أردنا، تسلل إلينا الشعور بالذنب وتأنيب الضمير، فما فعلناه هو الجشع!
حين أراد روبرت الخروج من متاهة الفأر/الفقر، سأل نفسه كيف يمكنني ألا أحتاج للعمل لدى الغير أبدا؟ ومن ساعتها وعقله يعمل للعثور على إجابة لهذا السؤال.
الجشع القليل الذي يتحدث عنه روبرت هو أن نفكر: بماذا سيعود علي من منافع العمل الذي أقوم به؟ كيف أستفيد من صحتي وقوتي وخبرتي وعقلي؟ كيف كانت حياتي لتكون إذا أصبحت غنيا عن العمل لدى الغير؟ إن قليل الجشع مفيد، على عكس كثيره، مثله مثل الماء.
التغلب على العادات والغرور
لا زلنا مع روبرت كايوساكي في كتابه أبي الغني أبي الفقير حيث يرى أن هناك أسباب خمسة تعوق النجاح، ونتناول هنا العائق الرابع والخامس
السبب الرابع: العادات المالية غير المربحة
يحكي لنا روبرت عن والده الغني، الذي كان يدفع لنفسه نصيبها قبل غيرهم، ففي حين يسارع أصحاب الديون المستحقة عليه في التهديد والعواء إذا تأخر في السداد، فهو كذلك يثور إذا لم يستثمر جزءا من دخله الشهري. هذا التأخر في سداد مستحقات الآخرين يدفعه رغما عنه للتفكير في طرق يسدد بها أقساط ديونه، ما يجعله في النهاية يزيد من دخله، فالعقل إذا سيطرت عليه فكرة، وجد لتنفيذها سبيلا، ولو بعد سنين.
إذا دفعت مستحقات الغير قبل مستحقاتك، ستبقى هكذا حتى النهاية، في حين إذا اقتطعت مخصص الاستثمار من دخلك الشهري، فحتما سيأتي يوم تسدد فيه كامل ديونك.
درب عقلك على التفكير الحتمي في زيادة مصادر دخلك، واجعلها عادتك، هكذا يفعل الأغنياء.
السبب الخامس: الغرور
الغرور = حب النفس + الجهل.
ما تعرفه يجلب لك المال.
ما تجهله يجعلك تخسر.
في كل مرة تغتر فيها، ستخسر.
دون أن نشعر، نلجأ أحيانا للغرور والزهو بالنفس لنخفي حقيقة أننا نجهل الأمر غير ملمين به. عندما تجد نفسك جاهلا، اعترف بالأمر، وأسرع في جمع المعلومات واستعن بخبير وبكتاب دقيق لتغير هذا الجهل إلى خبرة عميقة.